سورة النجم - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)}
وفي الجنة خلاف قال بعضهم جنة المأوى هي الجنة التي وعد بها المتقون، وحينئذ الإضافة كما في قوله تعالى: {دَارَ المقامة} [فاطر: 35] وقيل هي جنة أخرى عندها يكون أرواح الشهداء وقيل هي جنة للملائكة وقرئ {جنّه} بالهاء من جن بمعنى أجن يقال جن الليل وأجن، وعلى هذه القراءة يحتمل أن يكون الضمير في قوله: {عِندَهَا} عائداً إلى النزلة، أي عند النزلة جن محمداً المأوى، والظاهر أنه عائد إلى السدرة وهي الأصح، وقيل إن عائشة أنكرت هذه القراءة، وقيل إنها أجازتها.


{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)}
فيه مسائل:
المسألة الأولى: العامل في {إِذْ} ما قبلها أو ما بعدها فيه وجهان، فإن قلنا ما قبلها ففيه احتمالان: أظهرهما {رَّءاهُ} [النجم: 13] أي رآه وقت ما يغشى السدرة الذي يغشى، والاحتمال الآخر العامل فيه الفعل الذي في النزلة، تقديره رآه نزلة أخرى تلك النزلة وقت ما يغشى السدرة ما يغشى، أي نزوله لم يكن إلا بعد ما ظهرت العجائب عند السدرة وغشيها ما غشى فحينئذ نزل محمد نزلة إشارة إلى أنه لم يرجع من غير فائدة، وإن قلنا ما بعده، فالعامل فيه {مَا زَاغَ البصر} [النجم: 17] أي ما زاغ بصره وقت غشيان السدرة ما غشيها، وسنذكره عند تفسير الآية.
المسألة الثانية: قد ذكرت أن في بعض الوجوه {سِدْرَةِ المنتهى} هي الحيرة القصوى، وقوله: {يغشى السدرة} على ذلك الوجه ينادي بالبطلان، فهل يمكن تصحيحه؟ نقول يمكن أن يقال المراد من الغشيان غشيان حالة على حالة، أي ورد على حالة الحيرة حالة الرؤية واليقين، ورأى محمد صلى الله عليه وسلم عندما حار العقل ما رآه وقت ما طرأ على تلك الحالة ما طرأ من فضل الله تعالى ورحمته، والأول هو الصحيح، فإن النقل الذي ذكرنا من أن السدرة نبقها كقلال هجر يدل على أنها شجرة.
المسألة الثالثة: ما الذي غشى السدرة؟ نقول فيه وجوه:
الأول: فراش أو جراد من ذهب وهو ضعيف، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي، فإن صح فيه خبر فلا يبعد من جواز التأويل، وإن لم يصح فلا وجه له الثاني: الذي يغشى السدرة ملائكة يغشونها كأنهم طيور، وهو قريب، لأن المكان مكان لا يتعداه الملك، فهم يرتقون إليه متشرفين به متبركين زائرين، كما يزور الناس الكعبة فيجتمعون عليها الثالث: أنوار الله تعالى، وهو ظاهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إليها تجلى ربه لها، كما تجلى للجبل، وظهرت الأنوار، لكن السدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت، فجعل الجبل دكاً، ولم تتحرك الشجرة، وخر موسى صعقاً، ولم يتزلزل محمد الرابع: هو مبهم للتعظيم، يقول القائل: رأيت ما رأيت عند الملك، يشير إلى الإظهار من وجه، وإلى الإخفاء من وجه.
المسألة الرابعة: {يغشى} يستر، ومنه الغواشي أو من معنى الإتيان، يقال فلا يغشاني كل وقت، أي يأتيني، والوجهان محتملان، وعلى قول من يقول: الله يأتي ويذهب، فالإتيان أقرب.


{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اللام في {البصر} يحتمل وجهين:
أحدهما: المعروف وهو بصر محمد صلى الله عليه وسلم، أي ما زاغ بصر محمد، وعلى هذا فعدم الزيغ على وجوه، إن قلنا الغاشي للسدرة هو الجراد والفراش، فمعناه لم يتلفت إليه ولم يشتغل به، ولم يقطع نظره عن المقصود، وعلى هذا فغشيان الجراد والفراش يكون ابتلاء، وامتحاناً لمحمد صلى الله عليه وسلم. وإن قلنا أنوار الله، ففيه وجهان:
أحدهما: لم يلتفت يمنة ويسرة، واشتغل بمطالعتها وثانيهما: ما زاغ البصر بصعقة بخلاف موسى عليه السلام، فإنه قطع النظر وغشي عليه، وفي الأول: بيان أدب محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني: بيان قوته الوجه الثاني: في اللام أنه لتعريف الجنس، أي ما زاغ بصر أصلاً في ذلك الموضع لعظمة الهيبة، فإن قيل لو كان كذلك لقال ما زاغ بصر، لأنه أدل على العموم، لأن النكرة في معرض النفي تعم، نقول هو كقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} [الأنعام: 103] ولم يقل لا يدركه بصر.
المسألة الثانية: إن كان المراد محمداً، فلو قال ما زاغ قلبه كان يحصل به فائدة قوله: {مَا زَاغَ البصر}؟ نقول لا، وذلك لأن من يحضر عند ملك عظيم يرى من نفسه أنه يهابه ويرتجف إظهاراً لعظمته مع أن قلبه قوي، فإذا قال: {مَا زَاغَ البصر} يحصل منه فائدة أن الأمر كان عظيماً، ولم يزغ بصره من غير اختيار من صاحب البصر.
المسألة الثالثة: {وَمَا طغى} عطف جملة مستقلة على جملة أخرى، أو عطف جملة مقدرة على جملة، مثال المستقلة: خرج زيد ودخل عمرو، ومثال مقدرة: خرج زيد ودخل، فنقول الوجهان جائزان أما الأول: فكأنه تعالى قال عند ظهور النور: ما زاغ بصر محمد صلى الله عليه وسلم، وما طغى محمد بسبب الالتفات، ولو التفت لكان طاغياً وأما الثاني: فظاهر على الأوجه، أما على قولنا: غشي السدرة جراد فلم يلتفت إليه {وَمَا طغى} أي ما التفت إلى غير الله، فلم يلتفت إلى الجراد، ولا إلى غير الجراد سوى الله.
وأما على قولنا غشيها نور، فقوله: {مَا زَاغَ} أي ما مال عن الأنوار {وَمَا طغى} أي ما طلب شيئاً وراءها وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال: ما زاغ وما طغى، ولم يقل: ما مال وما جاوز، لأن الميل في ذلك الموضع والمجاوزة مذمومان، فاستعمل الزيغ والطغيان فيه، وفيه وجه آخر وهو أن يكون ذلك بياناً لوصول محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة اليقين الذي لا يقين فوقه، ووجه ذلك أن بصر محمد صلى الله عليه وسلم {مَا زَاغَ} أي ما مال عن الطريق، فلم ير الشيء على خلاف ما هو عليه، بخلاف من ينظر إلى عين الشمس مثلاً، ثم ينظر إلى شيء أبيض، فإنه يراه أصفر أو أخضر يزيغ بصره عن جادة الأبصار {وَمَا طغى} ما تخيل المعدوم موجوداً فرأى المعدوم مجاوزاً الحد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8